Sunday, 10 August 2014

PEPE...عبد


تعد من أقدم المدن المسكونة في العالم وتعتبر من أشهر المواقع الأثرية في المنطقة. انها جبيل أو ما تعرف ب"بيبلوس" المدينة اللبنانية التي تأسست في بادئ الأمر كقرية لصيادي الأسماك على التل المشرف على البحر. فلا يمكنك أن تحط رحالك في لبنان دون أن تعرج على مدينة جبيل، التي تبعد 37 كلم عن بيروت لكي تتمتع بخصوصية هذه المدينة السياحية المفعمة بنفحة تاريخية لا تشبه أي من المدن الأثرية الاخرى. ففيها تتجمع حضارات مختلفة فتنقلك الى الحقبة التاريخية الفارسية. أما اسواقها فتتيح لك المجال للتنقل بين الحديث والقدم، و عن شواطئها يمكنك قطف لحظات ذهبية لا تنسى أما من مطاعمها فتخزن ذكريات لجلسة جميلة تشعل حواسك كلها. 


تشتهر جبيل باثارها المتعددة من مرفأ جبيل وأبراجه، السوق القديم، معبد الأنصاب، المدافن الملكية، المسرح الروماني، بقايا بوابة وأسوار المدينة، أضف على ذلك الكنائس والمساجد الأثرية. كما وكل سنة يقام في جبيل "مهرجان جبيل الدولي" بحيث يستضيف العديد من الفنانين من مختلف أنحاء العالم والخميس الماضي كان من نصيب مارسيل خليفة وأميمة الخليل فكانت أمواج البحر تتماوج على أنغام الموسيقى. ولكن قبل الوصول إلى مدرجات الاحتفال لفتني مطعم حجري قديم الشكل  فهذا المطعم يأخذك في رحلة بحرية بامتياز وأنت تجلس على كرسي خشبي أزرق سبق وجلس عليه أهم المشاهير في العالم مثل بريجيت باردو، وجاك شيراك، وأمير موناكو، وداليدا.. وغيرهم، سمي هكذا تيمنا باسم صاحبه ومؤسسه اللبناني يوسف عبد الذي عاش فترة طويلة من حياته في المكسيك.
"pepe" ليس مجرد مطعم سمك عادي، بل هو متحف يعبق بذكريات المشاهير،يطل المطعم على لوحة طبيعية رسمتها البواخر والمراكب الراسية في ميناء جبيل. وما إن تطأ قدماك محيطه حتى تتسلل إلى أنفك رائحة السمك المشوي على الفحم أو المقلي والمعروف في المنطقة بسمك «pepe» البلدي. ولا يلبث أن يأخذك نظرك إلى تفاصيل هندسة معمارية لمطعم مبني من الحجر القديم تدخله من فوق بضع درجات ضيقة صنعت من الطين توصلك إلى فسحة معتمة تستقبلك بلوحة خشبية كتب عليها: «قبعات أدميرال قدمت لـ(pepe عبد) من قبل سفراء دول المتوسط»، وفي أسفل اللوحة كتابة تدل على المهنة الأساسية لعائلة عبد وهي صناعة وبيع المجوهرات.

 وأول ما يلفتك أرضية الـمطعم المغطاة بطبقة من البحص الملون البحري، التي لملمها صاحب المطعم بنفسه من شاطئ جبيل لتصبح سجادة حجرية تزين المطعم. ويطالعك عن يمينك بوابتان خشبيتان تعلوهما قنطرتان من الحجر الصخري تعبر منهما إلى غرفتين منفصلتين تتضمنا متحف وفيه كل التذكارات واللوحات التي جمعها من زواره، بالإضافة إلى قطع المجوهرات التي صنعها، والشهادات التكريم التي حصدها في حياته.
ومن النظرة الأولى تأسرك بساطة الديكور وارتباطه ارتباطا مباشرا بالبحر والريف، إن من خلال الطاولات الخشبية وكراسيها الزرقاء المستوحاة من لون البحر وأغطيتها المفروشة عليها وتجمع بين الأبيض والأزرق أيضا. أما السقف الخشبي المغمور بقطع القصب أحيانا وشباك البحر أحيانا أخرى فتتدلى منه إنارة خفيفة من داخل سلال من القش تعكس رومانسية الأجواء وتتوزع بينها مراوح هوائية تستعمل لتبريد الجو في الأيام الحارة. 

وبقرب الـبار الذي يتوسط  المكان تجد لوحات خشبية مختلفة الأحجام في داخلها صور تذكارية أخذها صاحب المطعم مع زواره من المشاهير أمثال الفنانين الفرنسيين داليدا.. وآخرين عالميين مثل مارلون براندو، بالإضافة إلى شخصيات لبنانية أمثال كميل شمعون، وريمون اده، ورشيد كرامي، وبيار الجميل.

ويبدأ المشوار عادة بالترمس واللوز المنقوع كمقبلات مرورا في ما بعد بالحمص المتبل والبابا غنوج واللبنة بالتوم ورقاقات الجبن والقريدس والأخطبوط.. وجميعها تقدم في صحون من الفخار، بالإضافة إلى سلطات منوعة بينها التبولة والفتوش ووصولا إلى الأطباق الأساسية من السمك اللقز والفريدي والسلطان إبرهيم المشوية والمقلية. أما أيام الآحاد فيقدم المطعم لزواره البوظة العربية المدقوقة التي يندر وجودها حاليا لأنها تصنع يدويا.
وهكذا تخرج من جبيل وأنت تشعر بالشبع من ثقافة منوعة بين الذكريات والصور، ومن أجواء حالمة تأخذك إلى عالم البحر قلبا وقالبا ومن أطباق لبنانية أصيلة وبلدية.

.لور قلوط

No comments:

Post a Comment